تسود بيننا الفكرة التالية: أننا نحن العرب «أمة اقرأ» وأننا أقل
الشعوب قراءة، بينما الشعوب الغربية أكثرها قراءة واقتناء للكتاب. وأن
التطور الحضاري والعلمي الذي تشهده البلدان الغربية هو نتيجة لشيوع ظاهرة
القراءة بين الناس هناك. هذا الرأي له جانبان: واحد صحيح والآخر خاطئ أو
محمول على المبالغة والتهويل.
في البدء، لسنا أقل الشعوب العالمية قراءة، والأصح أننا أقل من الشعوب الغربية وقليل من الشعوب الأخرى وليس كلها!. كما أن النهضة الحضارية والتطور الصناعي في أوروبا وأمريكا ليس نتيجة لشيوع القراءة بين عامة الناس. ويمكنني إلحاق العصر الذهبي في الحضارة الإسلامية القديمة «العباسي والأندلسي» بهذا الطرح؛ فالتفوق العربي القديم على بقية الشعوب لم يكن بسبب «انتشار» القراءة بين الناس (لأن هذا غير صحيح، فالقراءة عند العرب قديما لم تكن سائدة، بل إننا اليوم أفضل حالا في هذا الجانب، أقصد توسع دائرة المقروءية).
السواد الأعظم من الشعوب الغربية (الأوروبية والأمريكية) لا يقرؤون الكتب العلمية والفلسفية بمعناهما التقني (الكتب الجادة)، بل القراءة مرتكزة على الروايات والقصص والمواعظ الدينية والكتب المتعلقة بالاهتمامات الشخصية والطبخ والأزياء والمشاهير ونحوها. والقراءة هنا تكون للمتعة والتسلية. ولا شأن لهذه الكتب الرائجة في التطور العلمي والفكري والحضاري.
قد يسأل سائل: إذن ما دور القراءة في التطور الحضاري؟ الجواب بسيط: وهو أن المسألة لا تتعلق بكم المقروءية بل بنوعها. في بدايات عصر النهضة الأوروبية ومع اختراع المطبعة لم تنتشر المقروءية بالشكل الذي نتصوره، بل ساعدت المطبعة فقط على توسيع دائرة المقروءية المتخصصة. أي زادت من عدد القراء الجادين.. وهذا العدد ظل طفيفا مقارنة مع عدد القراء غير الجادين أو من يتخذون القراءة فقط للتسلية وليس للإبداع. وإلى الآن لازالت الفجوة في الغرب كبيرة بين القراء الجادين والقراء غير الجادين. (لتعريف القارئ الجاد: هو ببساطة من يجعل القراءة اهتمامه الأول، بينما غير الجاد يجعلها اهتمامه العاشر!).بالنظر إلى دائرة المقروءية الجادة، وبعد مقابلة هذه الدائرة بين العرب والغرب، يتضح التالي: في الغرب، دائرة المقروءية الجادة التي سيطرت على الثقافة هي الدائرة العقلانية العصرانية. بينما عربيا، هي الدائرة التقليدية أو التراثية. أي، القراء الجادون العرب الذين انكبوا على العلوم الدينية والأدبية القديمة هم من سيطروا على الثقافة العربية وعلى تشكيل الوعي العام من خلال تغلغلهم في التعليم والسياسة. بينما تم تهميش المقروءية العربية العقلانية أو العلمانية.اليوم، في أوروبا أو أمريكا.. حينما يكون المواطن متحضرا؛ ملتزما بالنظام، مبدعا في عمله، ومتسامحا مع المختلفين معه في الدين والفكر، فإنه لم يصل إلى هذا الوضع من خلال قراءاته، بل ببساطة لأنه تربى عليها. فالجو الثقافي محكوم من قبل الفلسفة الليبرالية والديمقراطية التي نشرت مثل هذه القيم. وأنا هنا أتحدث عن المواطن العادي الذي لا يهتم كثيرا للقراءة «الجادة». لذا من الخطأ أن ننسب إبداعه في مجاله الخاص بأنه نتيجة للقراءة بل نتيجة للثقافة العامة والمناخ الليبرالي المحيط به. إنه نتيجة لسيطرة القراءة العقلانية الجادة على القراءة التراثية «الجادة أيضا».
المصدر : جريدة عكاظ
في البدء، لسنا أقل الشعوب العالمية قراءة، والأصح أننا أقل من الشعوب الغربية وقليل من الشعوب الأخرى وليس كلها!. كما أن النهضة الحضارية والتطور الصناعي في أوروبا وأمريكا ليس نتيجة لشيوع القراءة بين عامة الناس. ويمكنني إلحاق العصر الذهبي في الحضارة الإسلامية القديمة «العباسي والأندلسي» بهذا الطرح؛ فالتفوق العربي القديم على بقية الشعوب لم يكن بسبب «انتشار» القراءة بين الناس (لأن هذا غير صحيح، فالقراءة عند العرب قديما لم تكن سائدة، بل إننا اليوم أفضل حالا في هذا الجانب، أقصد توسع دائرة المقروءية).
السواد الأعظم من الشعوب الغربية (الأوروبية والأمريكية) لا يقرؤون الكتب العلمية والفلسفية بمعناهما التقني (الكتب الجادة)، بل القراءة مرتكزة على الروايات والقصص والمواعظ الدينية والكتب المتعلقة بالاهتمامات الشخصية والطبخ والأزياء والمشاهير ونحوها. والقراءة هنا تكون للمتعة والتسلية. ولا شأن لهذه الكتب الرائجة في التطور العلمي والفكري والحضاري.
قد يسأل سائل: إذن ما دور القراءة في التطور الحضاري؟ الجواب بسيط: وهو أن المسألة لا تتعلق بكم المقروءية بل بنوعها. في بدايات عصر النهضة الأوروبية ومع اختراع المطبعة لم تنتشر المقروءية بالشكل الذي نتصوره، بل ساعدت المطبعة فقط على توسيع دائرة المقروءية المتخصصة. أي زادت من عدد القراء الجادين.. وهذا العدد ظل طفيفا مقارنة مع عدد القراء غير الجادين أو من يتخذون القراءة فقط للتسلية وليس للإبداع. وإلى الآن لازالت الفجوة في الغرب كبيرة بين القراء الجادين والقراء غير الجادين. (لتعريف القارئ الجاد: هو ببساطة من يجعل القراءة اهتمامه الأول، بينما غير الجاد يجعلها اهتمامه العاشر!).بالنظر إلى دائرة المقروءية الجادة، وبعد مقابلة هذه الدائرة بين العرب والغرب، يتضح التالي: في الغرب، دائرة المقروءية الجادة التي سيطرت على الثقافة هي الدائرة العقلانية العصرانية. بينما عربيا، هي الدائرة التقليدية أو التراثية. أي، القراء الجادون العرب الذين انكبوا على العلوم الدينية والأدبية القديمة هم من سيطروا على الثقافة العربية وعلى تشكيل الوعي العام من خلال تغلغلهم في التعليم والسياسة. بينما تم تهميش المقروءية العربية العقلانية أو العلمانية.اليوم، في أوروبا أو أمريكا.. حينما يكون المواطن متحضرا؛ ملتزما بالنظام، مبدعا في عمله، ومتسامحا مع المختلفين معه في الدين والفكر، فإنه لم يصل إلى هذا الوضع من خلال قراءاته، بل ببساطة لأنه تربى عليها. فالجو الثقافي محكوم من قبل الفلسفة الليبرالية والديمقراطية التي نشرت مثل هذه القيم. وأنا هنا أتحدث عن المواطن العادي الذي لا يهتم كثيرا للقراءة «الجادة». لذا من الخطأ أن ننسب إبداعه في مجاله الخاص بأنه نتيجة للقراءة بل نتيجة للثقافة العامة والمناخ الليبرالي المحيط به. إنه نتيجة لسيطرة القراءة العقلانية الجادة على القراءة التراثية «الجادة أيضا».
المصدر : جريدة عكاظ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق